الخميس، 1 أغسطس 2013

الرد على من زعم أن الحاكم أو الملك وكيل عن الشعب الفرق بين الوكالة والإمامة(1)







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فمن البدع العصرية التي أحدثت في دين الله «وكل بدعة ضلالة»: الزعم بأن رئيس الدولة أو الملك أو السلطان أو الخليفة وكيل للشعب، لا وكيل عليهم.

وبيان بطلان قول من زعم أنه وكيل للشعب يعلم ببيان الفرق بين الإمامة والحكم، وبين الوكالة.
فالوكالة عقد جائز بين الموكِّل والوكيل بإجماع العلماء، وأما إمامة وتنصيب السلطان فهو واجب، وعقد ملزم.
فأما ما يتعلق بالوكالة: فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى(33/120): «الوكالة عقد جائز بإتفاق العلماء».
قال المرداوي الحنبلي في الإنصاف(5/368): «الْوَكَالَةُ عَقْدٌ جَائِزٌ من الطَّرَفَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهُ بِلَا نِزَاعٍ».

وقال الشربيني الشافعي في الإقناع(2/321) : «القول في الوكالة: عقد جائز، والوكالة ولو بجعل غير لازمة من جانب الموكل والوكيل، فيجوز لكل واحد منهما فسخها متى شاء، ولو بعد التصرف، سواء تعلق بها حق ثالث كبيع المرهون أم لا؟،  وتنفسخ حكماً بموت أحدهما، وبجنونه وبإغمائه، وشرعاً: بعزل أحدهما، بأن يعزل الوكيل نفسه أو يعزله الموكل..».

قال القرافي المالكي في الذخيرة(9/138): «قال أبو عمران: العقود الجائزة خمسة: الوكالة..» ثم ذكر بقيتها.
وقال الزيلعي الحنفي في تبيين الحقائق(4/287) : «الْوَكَالَة عَقْدٌ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ».
وأما ما يتعلق بالإمامة: فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى(28/390): «يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لاقيام للدين ولا للدنيا إلا بها، فإن بنى آدم لاتتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولابد لهم عند الاجتماع من رأس».
وقال الماوردي في الأحكام السلطانية(ص/5)وهو من علماء الشافعية: «وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع».
وقال ابن خلدون المالكي في المقدمة(ص/191): «نصب الإمام واجب قد عرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين».
وقال الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع(7/2): «نَصْبَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَرْضٌ بِلَا خِلَافٍ بين أَهْلِ الْحَقِّ، وَلَا عِبْرَةَ بِخِلَافِ بَعْضِ الْقَدَرِيَّةِ، لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ على ذلك، وَلِمِسَاسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِتَقَيُّدِ الْأَحْكَامِ، وَإِنْصَافِ الْمَظْلُومِ من الظَّالِمِ، وَقَطْعِ الْمُنَازَعَاتِ التي هِيَ مَادَّةُ الْفَسَادِ، وَغَيْرِ ذلك من الْمَصَالِحِ التي لَا تَقُومُ إلَّا بِإِمَامٍ».

قال معالي الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: « إنه لا حياةَ إلا بجماعةٍ، ولا يستقيم دِينٌ ولا دُنيا إلا بجماعةٍ، ولهذا نهى اللهُ عن التفرُّقِ والاختلاف، وأَمَر بالاجتماع والائتلاف، على طاعةِ الله - سبحانه وتعالى -، قال - سبحانه وتعالى - : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا }[ آل عمران : 103 ]، وقال تعالى : { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ آل عمران : 105 ]. وقال - سبحانه وتعالى - : { وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } [ الأنفال : 46 ]. والاجتماع لا بد له من قيادة، و«لا اجتماعَ إلا بإمامة، ولا إمامةَ إلا بسَمْعٍ وطاعة»، ولذلك كان تنصيبُ الإمام فريضةً في الإسلام، لما يتَرتَّبُ عليه من المصالح العظيمة، والناسُ لا يصلحون بدون إمامٍ يقودُهم، وينظر في مصالحهم، ويدفع المضارَّ عنهم، كما قال الشاعر :

لَا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ... وَلَا سَرَاةَ إِذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا
وَالْبَيْتُ لَا يُبْتَنَى إِلَّا لَهُ عَمَدٌ... وَلَا عِمَادَ إِذَا لَمْ تُرْسَ أَوْتَادُ
فَإِنْ تَجَمَّعَ أَوْتَادٌ وَأَعْمِدَةٌ... يَوْمًا، فَقَدْ بَلَغُوا الْأَمْرَ الَّذي كَادُوا

ولهذا لما تُوفِّي الرسولُ صلى الله عليه وسلم بادر الصحابةُ بتنصيب إمامٍ لهم قبل أن يتَّجهوا إلى تجهيز الرسول ودفنِه صلى الله عليه وسلم، لِعِلْمهم بضرورة هذا الأمر، وأنه لا يصلح أن يمضي وقتٌ ولو يسيرًا إلا وقد تنصَّب الإمامُ للمسلمين، فاجتمعتْ كلمتُهم -رضي الله عنهم- على أفضل صحابةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فبايعوه، وتمت له البيعةُ، وعند ذلك اتجهوا إلى تجهيز الرسول صلى الله عليه وسلم، ودفنه عليه الصلاة والسلام.

وهذا يدل على أهمية وجود الخليفة، ووجود الإمام، الذي نَصْبُه ضرورةٌ من ضروريَّات هذا الدين، ومن ضروريات الحياة». من محاضرة للشيخ حفظه الله بعنوان«الإعلام بتنصيب الإمام في الإسلام».
وصلى الله وسلم على نبينا محمد

  اللجنة الشرعية بمجموعة نايف بن خالد الإعلامية
naif4002@

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق